الحظاري في الاُندلس


الازدهار المتحضر في الاندلس

شهدت الصناعات المعدنية في بلاد الاندلس تقدماً عظيماً، فاشتهرت مرسية بمصنوعاتها من الحديد، كما اشتهرت طليطلة بالسيوف، وقرطبة بالدروع، وازدهرت أيضا الصناعات اليدوية.. وقد كان في قرطبة وحدها (13000) نساج، وكان المشترون في كل موضع يقبلون على شراء السجاجيد، والوسائد، والأرائك الأندلسية، واخترع ابن فرناس القرطبي في القرن التاسع الميلادي النظارات، والساعات الدقاقة المعقدة التركيب، كما اخترع ماكينة طائرة. وقد ظلت الأكاديميات العلمية في أوروبا قروناً كثيرة تعتمد المراجع العلمية التي استعارتها من الأندلس، ونقلتها من العربية الى اللاتينية، فمثلاً كانت الموسوعة الطبية المسماة “التصريف”، وهي ثلاثة كتب في الجراحة ألفها “أبو القاسم الزهراوي 936_1013م” طبيب عبد الرحمن الثالث، المرجع الأعلى في الجراحة عدة قرون عقب ترجمتها الى اللاتينية. وبذلك أضحت اسبانيا بعد ان أشرقت بنور الاسلام، مصدراً للعطاء والالهام المعرفي لأوروبا، كما صرح بذلك المستشرق الاسباني الدكتور بدور مارتينيز مونتابث، بقوله (إن اسبانيا ما كان لها ان تدخل التاريخ الحضاري، لولا القرون الثمانية التي عاشتها في وجود الاسلام، وحضارته، وكانت بهذا باعثة النور والثقافة الى أوروبا المجاورة، المتخبطة آنذاك في ظلمات الجهل والتخلف). ولم يكن مستوى النمو والتطور في القطاع الزراعي أو التجاري، أدنى من الصناعي، فقد كان أهل الأندلس من أنبغ الشعوب في فلاحة الأرض، وتربية الماشية، وغرس الحدائق، وتنظيم أساليب الري والصرف، ومعرفة ظروف الأحوال الجوية، وكل ما يتعلق بفنون الزراعة، وخواص النبات، وكانت مزارعهم وحدائقهم مضرب الأمثال في الجودة والنماء، وقد نقل العرب من المشرق وشمال افريقية الى اسبانيا كثيراً من المحاصيل والاشجار، كالقطن، والأرز، وقصب السكر، والزعفران، والنخيل، الذي ما زالت تزدان به الحدائق والمدن الاسبانية الجنوبية، والزيتون الذي غدا فيما بعد، وحتى اليوم أعظم محاصيل اسبانيا.. وأما نبوغ مسلمي الأندلس في ترتيب وسائل الري والصرف، واستجلاب المياه وتوزيعها بالطرق الفنية، فما زالت تشهد به آثارهم الباقية الى الآن في وديان الأندلس، من القناطر والجداول الدارسة، وما زالت هنالك مناطق كثيرة، ولا سيما في أحواز بلنسية ومرسية، تقوم في زراعتها على مشاريع الري الأندلسية القديمة

نسق الري في الأندلس القديمة (بقية إلى الآن في بعض الأماكن)

كما سعى المسلمون لإرجاع تنظيم ملكية الأراضي، وتنظيم حركة العمل والانتاج والتوزيع الزراعي، بما يضمن إزدهار الانتاج الزراعي، واستئصال طرق الاستغلال غير المشروع للفلاحين، واحتكار مساحات شاسعة من الأراضي على شكل اقطاعيات.